المقدّمة

يُعَدّ موضوع المحرّمات في الزواج من أهمّ الموضوعات التي ينبغي لكلّ مسلم ومسلمة الإلمام بها؛ ذلك أنّ فهم من هنّ النساء اللواتي لا يجوز الاقتران بهنّ يُساهم في تنظيم حياة الأسرة والمجتمع. ولعلّ المحرّمات في الزواج تُعتبَر واحدةً من الركائز التي وضعها الشرع الحنيف حمايةً للأعراض ولمنع اختلاط الأنساب، وضبطًا للعلاقات الإنسانيّة بما يضمن الاستقرار والطمأنينة في الحياة الزوجيّة. وفي هذا المقال، سنخوض حوارًا مفصّلًا نتناول فيه أسئلةً عديدة تتعلّق بـالمحرّمات في الزواج، مثل: من هنّ النساء المحرّمات على الرجل؟ كم عدد المحرّمات من النساء؟ وما هي أقسام التحريم؟ وهل هناك اختلافٌ بين المذاهب الفقهيّة في بعض التفاصيل؟

إنّ المحرّمات في الزواج ليست مجرّد أحكام جامدة فُرِضَت للتقييد؛ إنّما هي منظومة مُحكمة تندرج تحت مظلّةٍ كبرى من الأخلاق والتنظيم الاجتماعي. إذ إنّ القرآن الكريم أوضح بشكلٍ قاطعٍ فئاتٍ مُعيّنة من النساء يحرم على الرجل التزوّج بهنّ تحت أيّ ظرف، كما أنّ السنّة النبويّة زادت في التفصيل والشرح، وأتاحت مجالاتٍ لفهمٍ أعمق لبعض القضايا المرتبطة بهذا الموضوع. ولم يخلُ الأمر من اختلافاتٍ في الرأي بين العلماء في بعض الحالات التفصيليّة؛ فمثلًا قد يتفاوت رأي المذاهب الأربعة (الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنبليّة) في مسائلٍ محدّدة حول درجة القرابة أو الرضاع أو غير ذلك من الأسباب.

سنستشهد خلال رحلتنا بمصادر أصيلة، مثل آياتٍ من القرآن الكريم وأحاديثٍ صحيحة، وسنشير إلى اختلافات علماء السلف والخلف كلّما أمكن. وبالرغم من أنّ هذه الأحكام تبدو صارمة، إلّا أنّ وراءها حكمًا إلهيّة رفيعة تحافظ على تماسك الأسرة والمجتمع. ومن هنا تكتسب المحرّمات في الزواج أولويّةً كبيرة في بناء المعرفة الدينيّة الشرعيّة لدى كلّ فردٍ مسلم.

مفهوم المحرّمات في الزواج

يتساءل البعض: من هم النساء المحرّمات على الرجل في الإسلام؟ حين نتحدّث عن المحرّمات في الزواج، فإنّنا نشير إلى مجموعة النساء اللواتي يحرم على الرجل الاقتران بهنّ لسببٍ شرعيّ محدّد. يُمكن إجمال هذه الأسباب في: القرابة المباشرة (كالأم والأخت)، والرضاع (كالأخت من الرضاعة)، والمصاهرة (كزوجة الأب أو أمّ الزوجة)، أو بعض الأسباب المؤقتة (كالمتزوّجة حاليًّا، أو المعتدّة من طلاقٍ أو وفاةٍ، أو إذا جمعت بين المرأة وأختها في آنٍ واحد).

لقد وردت الإشارة إلى بعض فئات المحرّمات في الزواج بشكلٍ صريح في القرآن الكريم، وذلك في سورة النساء حيث يقول الله تعالى:

“وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةًۭ وَمَقْتًۭا وَسَآءَ سَبِيلًا (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّـٰتُكُمْ وَخَـٰلَـٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلْأَخِ وَبَنَاتُ ٱلْأُخْتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِىٓ أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا۟ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبْنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا۟ بَيْنَ ٱلْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا (٢٣).

[النساء: 22–23]

وعليه، لا يجوز التهاون في فهم هذه الأحكام؛ لأنّها تمثّل قيودًا شرعيّة صريحة تضمن سلامة النسب والطهارة في العلاقة الزوجيّة. ويأتي دور السُنّة النبويّة بتفصيل مسائل لم تُذكَر في القرآن بشكلٍ واضح أو بتوضيح الأحكام المرتبطة بعمليّات الرضاع وبعض تفاصيل المصاهرة. وفي هذا السياق، يعمد العلماء إلى شرح أسباب التحريم وغاياته وفق أصول الفقه وقواعده.

إنّ من أهمّ الجوانب التي ينبغي التركيز عليها هو تعليل هذا التحريم؛ فالإسلام لا يسنّ حكمًا إلّا لحكمةٍ ومصلحةٍ يعود نفعها على الأفراد والمجتمعات. ويكمن المعنى العميق وراء المحرّمات في الزواج في تعزيز التراحم والتكافل العائلي وتوفير بيئةٍ نظيفةٍ للأجيال الجديدة. وقد شدّد أهل العلم على ضرورة العمل بهذه الضوابط الشرعيّة وعدم التساهل فيها؛ لأنّها حدودٌ رسمها الله تعالى، وأيّ تجاوزٍ فيها قد يترتّب عليه مفاسدٌ اجتماعيّة ودينيّة.

أقسام النساء التي يحرم الزواج منهن: مؤبَّدًا ومؤقَّتًا

بعدما تعرّفنا على الخطوط العامة للمحرّمات، نحتاج الآن إلى الغوص في تفاصيل الأقسام الرئيسية. التقسيم الأسهل والأشهر لموضوع المحرّمات في الزواج يرتكز على التفريق بين التحريم المؤبد، أي الذي لا يزول أبدًا، والتحريم المؤقت، الذي يمكن أن يزول إذا تغيّر السبب أو الظرف الذي أدّى إليه.

المحرّمات من النساء تحريمًا مؤبّدًا

لعلّ أبرز أقسام المحرّمات في الزواج على الإطلاق، هو التحريم المؤبّد الذي لا ينحلّ بمرور الزمن أو بتغيّر الظروف؛ فهو ثابتٌ على الدوام. ويمكن إجمال أهمّ الفئات في التحريم الأبديّ على النحو التالي:

  1. المحارم من النَّسَب: وهنّ الأمّ، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة، وبنات الأخ، وبنات الأخت؛ وقد ذكرهنّ القرآن الكريم صراحةً في قوله تعالى: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ…” [النساء: 23]. فهذه الفئات هي الأصل الأوّل ضمن دائرة المحرّمات في الزواج تحريمًا دائمًا.
  2. المحارم من الرضاعة: ومثاله الأخت من الرضاعة والأمّ من الرضاعة، بشرط أن يتحقّق العدد المعتبر شرعًا في الرضعات. وقد جاء في الحديث النبويّ: “يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب” (رواه البخاري ومسلم). وهذا يعني أنّ الرضاعة تُنشئ علاقة تحريمٍ مُشابِهة لما ينشأ من النَّسَب، فتكون المرأة أُمًّا أو أختًا أو خالةً من الرضاعة، فتحرم على الرجل تحريمًا مؤبدًا.
  3. المحارم من المصاهرة: وتشمل زوجة الأب وزوجة الابن (إذا دخل بها الابن)، وأمّ الزوجة وبنات الزوجة من زوجٍ آخر إذا كان قد دخل بالزوجة. قال تعالى في محكم التنزيل: “وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ الَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ…” [النساء: 23].
    وهذا القسم يشكّل جزءًا أساسيًّا من المحرّمات في الزواج المؤبّدة التي لا ترتفع بأيّ حال.وعلى الرّغم من تعدّد تفاصيل هذا الموضوع وتشعّبه، مثل قضايا الزواج من أهل الكتاب أو الخلافات حول الولاية، يمكن القول باطمئنانٍ إنّ الأصول العامّة ثابتةٌ لا تتغيّر.

إنّ الحكمة من هذا التحريم المؤبّد هو صَون الإنسان من العلاقات التي من شأنها هدم البناء العائلي وإثارة القلاقل في النسب. فتصوّر مثلاً لو أنّ الرجل تزوّج امرأةً كانت بحكم أمّه أو ابنته، كيف سيؤدّي ذلك إلى فوضى في تعريف صلة الرحم وخرق للمألوف اجتماعيًّا وشرعيًّا! لذا فالتحريم المؤبّد يرتبط إما بوشائج النّسب التي ترسّخ روابط الدم، أو بالرضاع الذي يأخذ أحكام النسب، أو بالمصاهرة التي تجعل المرأة في مقامٍ محرمٍ للأبد. ومن هنا تتبيّن مكانة المحرّمات في الزواج في الإسلام كحائطٍ متين يحمي كيان الأسرة.

المحرّمات من النساء تحريمًا مؤقّتًا

لا يقتصر الحديث عن المحرّمات في الزواج على الدائرة المؤبدة، بل هناك فئةٌ أخرى يُطلَق عليها “المحرّمات تحريمًا مؤقّتًا”، أي أنّ تحريم الاقتران بهنّ ليس دائمًا، بل قد يرتفع بزوال سبب التحريم. ومن أبرز هذه الفئات:

  1. المتزوّجة: لا يجوز للرجل الزواج بامرأةٍ على ذمّة رجلٍ آخر؛ إذ إنّها في عصمته ولا تحلّ لسواه. فإذا طلّقها وانقضت عدّتها، أو مات زوجها وانتهت العدّة الشرعيّة، أصبحت المرأة حينها محلّلة للزواج من رجلٍ آخر. وهذا التحريم المؤقت هو جزءٌ لا يتجزأ من أحكام المحرّمات في الزواج في الشريعة.
  2. المعتدّة من طلاقٍ أو وفاة: إن كانت المرأة في عدّةٍ بسبب طلاقٍ رجعي أو بائن، أو عدّة وفاة (أربعة أشهرٍ وعشرة أيّام)، فلا يجوز التقدّم للزواج منها قبل انتهاء العدّة. فإذا انتهت عدّتها، حلّت للزواج.
  3. الجمع بين المحارم في وقتٍ واحد: اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين في عصمته، أو بين المرأة وعمّتها، أو المرأة وخالتها. واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى: “وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ…” [النساء: 23].
    وهذا التحريم مؤقّت؛ لأنّ الرجل لو طلّق إحداهما أو ماتت، جاز له الزواج بالأخرى في بعض الحالات؛ ممّا يوضّح نسبيّة التحريم ويبيّن أنّه مندرجة تحت المحرّمات في الزواج بشكلٍ مؤقّت.
  4. المحرّمات بسبب الإحرام: بالنسبة لمن هو في حالة إحرام (بالعمرة أو الحجّ)، فالزواج أو عقد النكاح لا يصحّ حتى يتحلّل من إحرامه. وبمجرد انتهاء الإحرام يصير الزواج جائزًا، فيعود الأمر إلى أصله.

إنّ إدراك الفرق بين التحريم المؤبّد والتحريم المؤقّت مهمّ جدًّا للتمييز بين الحالات التي لا يجوز فيها الزواج إطلاقًا، والحالات التي تُمنَع فيها المرأة على الرجل لظرفٍ معيّن أو لمدّةٍ محدودة. وقد فصل العلماء في هذه التفاصيل بناءً على الأدلّة من الكتاب والسنّة والإجماع. وتُعَدّ هذه الفروق عنصرًا جوهريًّا في فهمنا للمحرّمات في الزواج وضبط العلاقات الاجتماعيّة والشرعيّة على أساسها.

كم عدد المحرّمات من النساء؟

يتساءل البعض: كم عدد المحرّمات من النساء على وجه التحديد؟ وقد جاءت الآية الكريمة من سورة النساء لتوضّح جملةً من الفئات بشكلٍ مباشر، بيد أنّ العلماء قد استنبطوا تفاصيل أكثر عمقًا من الآيات والأحاديث. فعلى مستوى التحريم المؤبّد يمكن القول إنّ العدد يتسع ليشمل الأمّهات، البنات، الأخوات، العمّات، الخالات، بنات الأخ، بنات الأخت، أمهات الرضاعة، أخوات الرضاعة، أمهات الزوجة، الربيبات، زوجات الآباء، زوجات الأبناء… إلخ.

أمّا فيما يخصّ التحريم المؤقّت، فتضمّ القائمة كلّ امرأةٍ متزوّجة، وكلّ معتدّةٍ، وجمع الأختين، والجمع بين المرأة وعمّتها أو خالتها، وغير ذلك من الحالات التي قد تُلحَق بها تفصيلات. ومن ثَمّ، يعتمد تعداد المحرّمات في الزواج على دمج الأقسام المؤبّدة والمؤقّتة سويًّا، بحيث يصل العدد إلى ما يفوق العشر حالات. إلّا أنّ الشرع ذكر القواعد الأساسيّة، واتّفق الأئمة على معظمها، واختلفوا في مسائل فرعيّة محدودة.

وفي معرض تفصيله، قد يَذكُر بعض العلماء أنّ المحرّمات من النَّسَب تشمل سبع فئاتٍ، ومن الرضاعة خمسًا أو سبعًا مناظرةً للأنساب، ومن المصاهرة أربعًا، ومن المؤقّتات طائفة أخرى. وهذا كلّه يبيّن لنا أنّ المحرّمات في الزواج مسألة تستدعي العلم والتدقيق؛ فلا يجوز للمسلم أن يُقدِم على الزواج دون وعيٍ بهذه القواعد المهمّة.

المحرّمات من النساء في القرآن الكريم

إنّ أوضح المواضع في القرآن الكريم التي تتحدّث عن المحرّمات في الزواج هي آية 23 من سورة النساء التي نصّت على تحريم فئات معيّنة بشكلٍ قاطع. يقول الله تعالى:

“حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ…”

تتابع الآية بعدها في بيان المحرّمات من المصاهرة، كما وردت أحكامٌ أخرى في الآيات المحيطة بها تؤكّد على حرمة زوجة الأب وغيرها. ويأتي دور السنّة النبويّة في التأكيد على القاعدة المستفادة من قول النبيّ محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم:

“يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب”.

(متّفق عليه)

وممّا لا شكّ فيه، أنّ الدراسات التفسيريّة والفقهيّة تمحورت حول هذه الآيات للوقوف على كلّ ما يتعلّق بها من دلالاتٍ وأحكام. وقد ذكر الطبري في تفسيره لأسباب نزول الآيات ما يفيد بتدرّج تحريم بعض الزيجات التي كانت قائمةً في عصر الجاهليّة، إلى أن جاء القرآن بقطع الطريق نهائيًّا على كلّ أشكال الزواج المحرّم. وبهذا يظهر حجم الاهتمام الشرعيّ بـالمحرّمات في الزواج؛ لأنّها من صميم بنية المجتمع الإسلامي وتماسكه.

اختلاف آراء العلماء والمذاهب في بعض التفاصيل

بالرغم من الاتفاق العام على تحريم هذه الفئات من النساء، إلّا أنّ هناك مسائل فرعيّة قد تجد فيها اختلافاتٍ بين المذاهب الأربعة وغيرها من مدارس الفقه. على سبيل المثال:

  1. حالات الرضاع: بينما يتّفق الجميع على أنّ الرضاع يحرّم ما يحرّم من النسب، فإنّ عدد الرضعات المعتبرة وشرط بلوغ سنٍّ معيّن للرضيع يُعَدّ محلّ خلاف. فالمالكيّة والشافعيّة مثلًا يشترطون خمس رضعاتٍ مشبعاتٍ لتحقّق التحريم، بينما الحنفيّة يكتفون بأيّ رضعةٍ معتبرة.
  2. تحريم الربيبة: اتّفق العلماء على أنّ الرجل لو عقد على امرأةٍ ولم يدخل بها، لا يحرُم عليه الزواج بابنتها (الربيبة) مستقبلاً. لكنّ تفاصيل الدخول والخلوة فيها كلامٌ لدى الفقهاء، من حيث ثبوت التحريم من عدمه.
  3. الجمع بين المرأة وعمّتها أو خالتها: هناك شبه إجماعٍ على التحريم، لكن قد تجد نقاشًا حول ما لو طلّق عمّتها أو خالتها قبل الدخول، هل يجوز نكاح الأخرى مباشرةً أم لا؟ فيفصّل كلّ مذهبٍ في شروطٍ معيّنة لزوال الحرمة.

إنّ هذه الاختلافات الجزئيّة لا تعني أنّ المحرّمات في الزواج موضع نزاعٍ جوهريّ؛ فهي ثابتةٌ بنصّ القرآن الكريم، لكنّ التفاصيل العمليّة تُظهر سعة الفقه الإسلاميّ وقدرته على التعامل مع تنوّع الوقائع. ويُنصَح دائمًا بمراجعة عالمٍ موثوق أو دار إفتاء رسميّة عند مواجهة أيّ حالةٍ معقّدة للتأكّد من انطباق الأحكام على الوجه الصائب.

الحكمة وراء تشريع المحرّمات في الزواج

قد يتساءل البعض: ما الغاية من هذا التحريم؟ ولماذا حدّد الإسلام هذه الضوابط بدقّة؟ تأتي الإجابة من عدّة زوايا:

  1. حفظ الأنساب: إنّ إرساء قواعد واضحة حول المحرّمات في الزواج يقي المجتمع من اختلاط الأنساب، ويمنح الأطفال بيئة أسريّة تعرف فيها كلٌّ من الأم والأب والأخ مكانه.
  2. توثيق الصلات الأسريّة: القرب الشديد كالقرابة من الدرجة الأولى أو الثانية يجعل الزواج مصدرًا للتنافر والنزاعات عوضًا عن أن يكون بناءً لأسرةٍ جديدة. وبالتالي، جعل الإسلام الأمّهات والأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت في دائرة التحريم حمايةً للعائلة من أيّ مساسٍ يُفسد العلاقة بين أفرادها.
  3. استمراريّة التراحم: فقدان الحدود في العلاقات الزوجيّة يهدّد باندثار مشاعر التراحم الفطريّة بين الأقارب؛ ولذلك يأتي تشريع التحريم لتأكيد العفّة والصون، وعدم تحوّل أيّ علاقةٍ أسريّة إلى علاقةٍ زوجيّة قد تجرّ وراءها مشكلاتٍ جسيمة.
  4. مراعاة الفطرة السليمة: جاءت الشريعة الإسلاميّة موافقةً للفطرة الإنسانيّة التي تنفر من زواج المحارم. وعندما ذكر القرآن والأحاديث النبويّة هذه الأحكام، لم تأتِ إلّا لترسم حدودًا تتناغم مع طبيعة النفس البشريّة القويمة.

الخاتمة

ختامًا، يظلّ موضوع المحرّمات في الزواج في الإسلام من القضايا المركزيّة التي تُحدّد معالم العلاقة الأسريّة وحدود الاقتران الصحيح. وقد بذل الفقهاء جهدًا كبيرًا في توضيح تلك الأحكام، مستدلّين بنصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة وإجماع علماء الأمّة، ومبرزين في الوقت ذاته مقاصد التشريع الإسلاميّ في الحفاظ على تماسك المجتمع وضمان وحدة النسب والتراحم بين الأقارب. وعلى الرّغم من تعدّد تفاصيل هذا الموضوع وتشعّبه، يمكن القول باطمئنانٍ إنّ الأصول العامّة ثابتةٌ لا تتغيّر، وإنّ أيّ اختلافٍ مذهبيٍّ يكمُن في الجزئيّات.

إنّ الحرص على فهم المحرّمات في الزواج فهمًا عميقًا يعكس مدى وعي الفرد بمسؤوليّته أمام الله وأمام مجتمعه؛ لأنّ هذه الأحكام ليست شكليّة أو ثانويّة، بل تشكّل أساسًا صلبًا للأمن الأسريّ، ولعلّ التساهل فيها يقود إلى التساؤل حول هل عدم الزواج حرام من حيث الأصل الشرعي والاجتماعي. ومن هنا جاءت وصايا العلماء بالتثبّت في اختيار شريك الحياة والتحرّي عن مدى موافقة الزواج لضوابط الشريعة. وآخر نصيحةٍ نقدّمها: إذا التبست عليك مسألةٌ من مسائل الزواج والتحريم، فارجع إلى دار الإفتاء في بلدك أو استشر عالمًا موثوقًا؛ لئلّا تقع في محظورٍ شرعيّ.

إن كنت تتسأل كيف اتزوج بسرعة او عن كيف تختار شريك حياتك و نصائح للمقبلين علي الزواج فعليك الآن بتجهيز ملفك على موقع ألفة أفضل موقع زواج عربي، الموقع يوفر لك إمكانية التعرف على الزوج الذي تحلم به، في إطار الدين الإسلامي.

إقرأ المزيد

أسئلة حول المحرّمات في الزواج

هل يجوز لرجلٍ أن يتزوّج أخت زوجته بعد وفاتها؟

نعم، يجوز له ذلك شرعًا؛ لأنّ التحريم كان مؤقّتًا. فالجمع بين الأختين محظور بمقتضى المحرّمات في الزواج، لكن إذا توفّيت زوجته أو طلّقها وانتهت عدّتها، جاز له الزواج من أختها.

ما حكم زواج الرجل من ابنة زوجته إذا لم يدخل بها؟

إذا لم يحصل دخولٌ بالزوجة، فلا يحرُم الزواج من ابنتها. أمّا إذا حصل الدخول، فإنّ البنت تصبح محرّمةً تحريمًا مؤبّدًا، استنادًا لقوله تعالى: “وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ…” [النساء: 23].

هل يُعَدّ زواج المتعة داخلًا ضمن المحرّمات في الزواج؟

يذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة إلى تحريم زواج المتعة تحريمًا قاطعًا بعد أن كان مباحًا لفترةٍ قصيرةٍ في بداية الإسلام ثمّ نسخ الحكم. وقد استدلّوا بعدّة أحاديثٍ صحيحة، مثل قول سيدنا عليّ كرّم الله وجهه: “نهى رسول الله عن متعة النساء يوم خيبر…” (رواه البخاري). وبذلك يُعَدّ هذا النكاح غير جائزٍ شرعًا على القول الراجح.

هل يجوز للرجل الزواج من امرأةٍ كانت زوجةً لأبيه بالعقد فقط دون الدخول؟

حرّم الإسلام زوجة الأب ولو لم يحصل دخول، اعتمادًا على قوله تعالى: “وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ…” [النساء: 22]. فالحكم لا يعلّق على الدخول، وإنّما على مجرّد العقد، فتتحرّم هذه المرأة تحريمًا مؤبّدًا.

متى يصبح التحريم بالرضاع غير معتبر؟

إذا لم يتحقّق شرطان أساسيّان: أوّلًا، أن يكون الرضاع في مدّة الرضاع (حولين كاملين على رأي الجمهور). وثانيًا، أن يكون عدد الرضعات المشبعات مستوفيًا للحدّ المعتبر (على الأقلّ خمس رضعاتٍ عند بعض المذاهب). ما عدا ذلك، فلا يعتبر مؤثّرًا في تحريم الزواج.